يا بخت من زار وخفف .. مثل شعبى يبدو أن الحكومة لا تؤمن به ولا تجيد العمل به ، جثمت على أنفاسنا غير عابئة بثقل سياساتها التي كادت تزهق أرواحنا، ولم تعرف فضيلة تخفيف الأحمال إلا في تعاملها الأخير مع أزمة الكهرباء.
وإن جاء استخدامها لمصطلح التخفيف في غير محله وبدا كمحاولة مكشوفة للالتفاف وعدم الاعتراف بأزمة الكهرباء بشكل مباشر، وتحمل المسئولية كاملة في إدارتها .. ليصبح التخفيف مجرد اسم تدليل للأزمة لا يؤثر وقعه سوى بالسلب على شعب مطحون يبحث عن انفراجة لأزماته، فإذا بها تزداد إظلاما في عينه بعدما قررت الحكومة قطع الكهرباء ليدفع وحده الثمن في سوء إدارتها وتعاملها مع الأزمة.
تعاملت الحكومة كعادتها مع الشعب كطفل لا يدرك مصلحته ويسهل ترويضه وإيهامه وتوجيهه بأى قرار يراه ولاة أموره في مصلحته.
ولأنه طفل غير رشيد فمن غير المنطقي الاعتراف له بتعثر الكبار أو فشلهم في حل مشاكله، بل يجب البحث دوما عن مبررات لإظهار العكس حتى لاتهتز الثقة في مكانة وكفاءة هؤلاء في عينه.
لكن للأسف لم تدرك الحكومة أن الشعب شب عن الطوق وأن حيلها القديمة لم تعد تنطلى عليه، وأنه أدرك بفطنته وتجاربه معها من البداية أن هناك أزمة كبيرة في الكهرباء، لم ينخدع بالبيان الأول لتخفيف الأحمال - ليس فقط لغموضه وعدم وضوحه والذى بدا اقرب للوغاريتمات - يحدثنا عن تخفيف أحمال وقطع الكهرباء قبل عشر دقائق من رأس الساعة وبعدها دون أن يحدد في أي ساعة، ضربنا أخماسا في أسداس لمحاولة معرفة الرسالة التي يحملها، تشككنا في سلامة قوانا العقلية وقدرتنا على الفهم ثم استسلمنا للأمر الواقع المر وعرفنا بالتجربة مغزى البيان.
بدأ التطبيق اقرب للعبة القط والفأر، ننتظر قطع الكهرباء الذى يفاجئنا دون إنذار ، مرة في وسط النهار وأخرى عند منتصف الليل وثالثة غريبة عند الفجر لا ندرك بعقولنا المرهقة المغزى منها، فما معنى تخفيف أحمال والأغلبية في ثبات وسكون ونوم، وحرارة الجو ليست في ابشع صورها ودرجاتها المرتفعة !!
ولأنها بدت كلعبة لم تقتصر عملية قطع الكهرباء على ساعة واحدة كما وعدنا البيان الغامض بعدما حلت التجربة شفرته، بل زادت تدريجيا لتصل لثلاث وأربع ساعات متقطعة مفاجئة خانقة.
بدت توابع زلزال أزمة الكهرباء تتوالى، ندفع ثمنها إرهاقا وتعبا، تكبد المرضى الكثير.. وتكبد الاصحاء معهم زيادة في القلق عليهم وزيادة في تحمل فواتير إصلاح الأجهزة التي تذمرت وأصابها العطل من الانقطاع المتكرر للكهرباء.
قارن الخبثاء رغما عنهم بين حالة الشعب المطحون بفعل أزمة الكهرباء وغيرها من الأزمات، وبين حال حكومته التي هربت للعلمين من حرارة الجو لتستجم بعيدا عن لهيب النار، وإن كنا حقيقة لانعرف هل تطبق قرارها بتخفيف الأحمال على سكان تلك المدينة الحلم أم أن روادها معفون من التخفيف ليدفع البسطاء وحدهم ثمن أثقال الأزمات وتوابعها!
الغريب أن قرارات الحكومة في العلمين لم تخرج متناغمة مع حالة الاستجمام التي يتمتع بها وزراؤها، فجاء تصريح رئيس الوزراء الأخير إنشائيا لا يبعث عن أمل ولا يعترف صراحة بالأزمة، بل كان اقرب لسلسلة من التبريرات غير المقنعة .
استعان بتصريح لأمين عام الأمم المتحدة بدخول العالم لمرحلة الغليان وأن شهر يوليو هو الأصعب، لكنه لم يخبرنا كيف استعد العالم لمواجهة مشكلة الاحتباس الحرارى التي لم يتفاجأ أحد بها ولماذا لم تستعد حكومتنا لمواجهة تلك الأزمة!
ونفى وجود أزمة في الغاز وأزمة في حقل ظهر، وأن الحكومة توقف تصدير الغاز في أشهر الصيف وتكتفى بالتصدير في فصول الشتاء والربيع والخريف. لكن التبرير لم يقنع العقول التي تساءلت عن تفاقم الأزمة واستهجنت تصدير الغاز في وقت نحن في أمس الحاجة له لتشغيل المحطات التي تباهت الحكومة بتشييدها! فإذا كانت الحكومة بالفعل أوقفت التصدير فلماذا تفاقمت أزمة الكهرباء، ولماذا لم يحقق حقل ظهر الهدف الموعود الذى تباهت الحكومة به وداعبت خيالنا بالأمل المرجو منه!!
لايوجد نقص في الغاز بإعتراف الحكومة، لكن هناك أزمة كهرباء لم تعترف صراحة بأسبابها وإن لم يحل ذلك دون إقدامها على طرح حل لها!
جاء الحل على شاكلة الأزمة غير مقنع .. خطة الحكومة بدت غريبة، لم تطمئن الشعب الذى أضنته الأزمة.. بل زادت من شكوكه بعدما أعلنت استمرار عملية التخفيف لمنتصف شهر سبتمبر، يعنى أسابيع أخرى من المعاناة، ومزيدا من تخفيف الأحمال، صحيح تم إعلان جدولته، لكن ماهو ضمان الإلتزام بتلك الجدولة وما المانع أن يتكرر ماحدث بعد بيانها الأول الذى وعد بقطع الكهرباء لمدة ساعة واحدة فإذا بها تمتد لساعات!
أما أكثر إفتكاسات الحكومة غرابة ذلك القرار الخاص بيوم الأحد الذى ألزمت به موظفيها بالعمل من البيت "أونلاين "" طوال شهر أغسطس !! ولا أحد يعرف كيف سيتم تطبيق هذا القرار وهل يحقق الهدف منه! وهل يلتزم موظفوها المتفننون دوما في التهرب من العمل بذلك! وماذا عن انقطاع الكهرباء بشكل متفاوت بين هؤلاء الموظفين بإختلاف مواقعهم السكنية كيف سيتم إستمرار العمل بينهم والتواصل إذا ما انقطعت!
هي بالفعل خطة لوذعية ويكفى أنها حددت إنتهاء لعب المباريات قبل آذان المغرب لمنع إستهلاك الكهرباء في الاستادات والمنشآت الرياضية وإن أغفلت منع إقامة الحفلات في مدن الأثرياء الخيالية التي ينام روادها طوال النهار في قصورهم المكيفة ويقضون طوال الليل في حفلاتها الصاخبة الأضواء المتلالئة الساطعة بلا تخفيف ولا أزمات ولا قطع كهرباء!!
المساواة في تخفيف الأحمال عدل .. لكننا اعتدنا للأسف على غيابه، نورتينا يا حكومة.
------------------------------
بقلم: هالة فؤاد